عند دقات الساعة السادسة جاءت فتاة فى الثانية والعشرون من العمر وجلست فى حجرة الضيوف ومعها ذاك الكهل فى السابعة والاربعين من العمر جلسا متقابلين على مائدة واحدة
كانت الفتاة تنظر لاستاذها بكل اجلال وتقدير ويتوغل احساسها به حتى يخترق حجب القلب
وتعلن الدقات ان كل تجعيدة فى وجهه ماهى الا شاطئ امان ترسو عليه مشاعرها
وتلك البسمة الهادئة على شفتيه هى بهجة لياليها الهادئة كانت تحبه .. نعم تحبه
ولكن لا تقوى على الافصاح وللعجب أن هذا الرجل كان بداخله نارا مستعرة تجاه الفتاة
ولكن فرق السن يخيفه ويشعره بانعدام الامل فى الالتقاء
جلسا متقابلين والصمت يعم المكان فهذه لحظة حرجة لكليهما
اذ ان المطلوب من هذا الرجل ان يقنع الفتاة بقبول العريس المتقدم لها وهى ترفضه
فأبوها قد إختار هذا الاستاذ لإقناعها فهو يعلم مدى احترامها له وتقديرها له
فكم كانت المهمة شاقة وعسيرة من أين يبدأ الرجل الحديث وكيف يقنعها أن تكون لرجل غيره
مرت اللحظات بطيئة والكلمات تتحجر فوق الشفاة والعيون تلتقى فتتسمر النظرات وكأنها
ترجو أن لا ينطق أحدهما كلمة واحدة
ما هذا الموقف وما الذى صنعه القدر بهما ؟؟
أخيرا نظر الرجل الى المائدة وأطرق قليلا ثم تحدث .. أى بنية أريد أن أنصحك نصيحة
ربما تذكرينى بها يوما ما عليك أن تفكرى مليا بما هو قادم من الحياة أنظرى لذاك الفتى
بكل جوانبه شابا فتيا قويا رائعا مركزا مرموقا وعلما واسعا وقلبا شابا يمتلئ طموحا ..
تكلمت الفتاة بعد صمت مرير ونظرات عينيها تكاد تنطق بما يضيق به صدرها ..
أستاذى الرجال كثيرون ولكنى أريد رجلا واحدا .. علمته السنون كيف يضحى بمشاعره
كيف يضغط على نفسه ويخرج من فمه غير ما يكنه قلبه من أجل أميرته .. معتقدا أنه ينصحها
ويوجهها .. أريد رجلا مشاعره تفيض فتملأ الكون نغما حالما ودفئا رائعا قلبه أرق من النسيم
نظراته تحمل الابوة والرحمة والحب الدفين .. يديه حين تكتب لى ترسم إحساسا ليس له مثيل
أريد صدرا حنونا يحمينى يؤوينى يكون لى غطاءا من برد السنين وواقيا من قسوة الايام
أراد الاستاذ أن ينطق وهو لا يدرى ماذا يقول فقلبه يعتصر ولا يقوى أن يخرج الكلم
ولكنه استجمع قواه وقال .. أى بنية تدبرى الامر وخذى من يقارب سنك كى تعيشين عمرك
سعيدة هانئة
لم تترك له الفتاة مجالا للحديث وقالت .. أريد رجلا أرتسمت بوجهه التجاعيد كل تجعيدة منها رمزا للحنان
ومغالبة الايام وعلامة على الحكمة والعقل الراجح أريد النضوج والحلم والهدوء والسكينة
أريد من لا يسعنى وصفه غير أن أقول أنى لا أرى غيره رجلا بعالمى ولغيره لن أكون
عند هذا الحد انقطع الحديث وسكت الاثنان واطرقا الى المائدة ولم يعلما ماذا يقولان
عجبا عندما يتحكم القدر بقلوبنا فلا يترك لنا حرية الاختيار ولا يتركنا خاوين ولا يحقق لنا ما نريدفقط هى أقدار
لا نستطيع منها فرار
بقلمى